تنزيل الكتاب
إن الفيلسوف المغربي عبدالسلام بنعبد العالي، في كتابه «ضد الراهن» ، المحتوي على عشر مقالات قدم لها بنعبد العالي بنفسه، ممن بحثوا في (سياسة الحقيقة أو سلطتها )، فهو يرى أن «حياة الحقيقة وانتشار الأفكار وانتصارها لا يتوقف على صدقها المنطقي، وغنما على السلطة التي تروج لها» (ص:63)، وهو في هذه الجملة المهمة جداً يتناول عبر مقاله: «سياسة الحقيقة عند الغزالي (ص:61) من خلال مؤلفاته: «إحياء علوم الدين» و«فضائح الباطنية» و«تهافت الفلاسفة»، فإن الغزالي بحسب رأي، بنعبد العالي، يعمد إلى: «قوة الأسلوب وغموضه مع براعة الجدل» (ص:64)، فهو يعلم، أي: الغزالي - حجة الإسلام، بأن معنى كتابته عن التهافت والفضائح حتى الإحياء لن يكون لها الوقع نفسه لو أنها صدرت عن غيره، وكان يدرك مدى سلطة المعرفة ومدى سلطته هو وإمامته وحجية وجوده، فهو لم يكن يطمح إلى إقناع مريديه من (الخًواص) بل إصدار فتوى فقهية في حق مخالفيه (ص:65) بجعلهم أعداء لاستثمار الشرور فيهم.
فإن التهافت هو تهافت للفلاسفة وليس الفلسفة، والفضائح هي فضائح الباطنية وأهل التعليم، وليست فضائح مذهب فكري (ص:64)، وهذا ما ينسحب على سيرة الغزالي في كتابه: المنقذ من الضلال، فالضلال ليس بالضرورة أفكاراً خاطئة، كما أن الشبهة إذا انتشرت فإنها تعمل عمل الحقيقة(ص:63)، فإن العلاقة بين السلطة والمعرفة ليست علاقة تخارج، وعلائق القوة هنا ليست علائق خارجية. فالقوة تدخل في نسيج المعرفة ولا تشكل سنداً وبالأحرى تطبيقاً لها (ص:67). إن التأويل ليس بحثاً عن معنى أولي بل إن إرادة القوى والسلطة هي التي توجد من وراء التأويل، لذا فإن إنتاج المعاني هو خوض لحروب. إذ ليست علاقة التأويل بالنصوص والمعاني علاقة تأمل ونظر. إنها منذ البدء، علاقة صراع واستحواذ وعنف.
أليس هذه صنائع الأيديولوجيا وأهدافها، إن عبدالعالي في تحليله لظاهرة الحقيقة عند الغزالي، هو تحليل لظاهرة الحقائق (أو الايديولوجيات) التي تتصارع في العالم الآن، والتي قوامها العنف والإرهاب، وما هذه الأيديولوجيا إلا تهجين (فكروي)، فإن ميدانها - الذي هو ميدان الفكر نفسه - لا يقاس بالأهداف التي يسعى نحوها وإنما بالدروب التي يعبرها (ص:68). ثمة ما ينخلق أثناء العمل على وضع (حقيقة ما) موضع أخرى، فإن هذا التحول هو ما يصوغ سياسة الحقيقة.
أما في مقالة أخرى: «الثقافة العربية في مرآة الآخر» (ص: 27) تشتغل على محاور أبو سعيد السيرافي ومتى بن يونس التي حفظها أبو حيان التوحيدي في كتابه: الإمتاع والمؤانسة، حول قضية الترجمة التي كانت نشطة إبان العصر العباسي. فإن السيرافي ينفي الحاجة إلى علوم الآخرين، وكان الخطاب موجها إلى الثقافة اليونانية المترحم منها آنذاك، فإن ابن يونس يرى ضرورة إعطاء اعتبار للآخرين فيما ينفي ذلك السيرافي، وكما يسوق بنعبد العالي مقولة شليجل عن تحليله لثقافة العرب (خطابياً وسلوكياً): «يتسم العرب بطبع مجادل إلى ابعد الحدود. فهم من بين الأمم جميعها. أكثر الأمم قدرة على النفي والإتلاف. ما يميز فلسفتهم في روحها هو ولعلهم المرضي بإتلاف الأصول والقضاء عليها بمجرد أن تتم الترجمة» (ص:29)، هذه إسوة الشعوب التي تغار من سواها كالفرس واليونان في السابق٭٭، ويعلق بنعبد العالي بأن الثقافة العربية الكلاسيكية كانت تتعالم من موقع قوة مع غيرها من الثقافات كانت عندما تنقل الأصل إلى لغتها وتتمثله في ثقافتها كانت تؤقلمه وتضمنه إليها. كانت ترضخه وتقضي على عنصر الغرابة فيه فتبتلعه وتدخله دائرة الأنا شعوراً منها أنه لم يعد آخر. لذا فسرعان ما تنفيه فتعمل على إتلافه والاستغناء عنه كأصل بعد أن (ترقى)به إلى لغتها (ص:29)، وبما أن علائق القوة والسلطة باتت على غيرما هي عليه في محاورة السيرافي وابن يونس، فإن الثقافة العربية تبقى تلميذة، غير نجيبة حتى الآن، في علاقتها وأستاذية ثقافة الغرب، وعلى أي حال إن الحال الماضي هو ما أورثنا عقدة الحاجة والمكابرة نحو ثقافة الآخر، وهذا ما أنتج من بعد وهم ليبرالي، بالاثنيات والهوية أوائل القرن الماضي عبر مفاهيم الالتزام والوعي الزائف حال أصوليات متناثرة تتسلح بنتائج الحداثة من آلة صناعية وتقنية جهازية، تكشف أن هناك أزمة علاقة والآخر، فالمرآة تكسرت لأن توازن القوى مختل، وليس هذا سببا، وإنما أساس البعد الحضاري، وهو التداول، مفقود عند الثقافة العربية (والإسلامية بالأخص)، وهذا يعني أننا لا يمكننا أن نؤسس لثقافة عربية مغايرة إلا بتوليد الآخر كآخر، ولكن أيضاً بالتحرر من الرغبة في التحول إلى أصل والتخلي عن افتراض أي مفهوم مطلق عن الخصوصية في الميدان الثقافي لانتعاش الفكر وشق دروب أخرى تفتح الآفاق كلها نحو المغايرة والاختلاف.
فإن التهافت هو تهافت للفلاسفة وليس الفلسفة، والفضائح هي فضائح الباطنية وأهل التعليم، وليست فضائح مذهب فكري (ص:64)، وهذا ما ينسحب على سيرة الغزالي في كتابه: المنقذ من الضلال، فالضلال ليس بالضرورة أفكاراً خاطئة، كما أن الشبهة إذا انتشرت فإنها تعمل عمل الحقيقة(ص:63)، فإن العلاقة بين السلطة والمعرفة ليست علاقة تخارج، وعلائق القوة هنا ليست علائق خارجية. فالقوة تدخل في نسيج المعرفة ولا تشكل سنداً وبالأحرى تطبيقاً لها (ص:67). إن التأويل ليس بحثاً عن معنى أولي بل إن إرادة القوى والسلطة هي التي توجد من وراء التأويل، لذا فإن إنتاج المعاني هو خوض لحروب. إذ ليست علاقة التأويل بالنصوص والمعاني علاقة تأمل ونظر. إنها منذ البدء، علاقة صراع واستحواذ وعنف.
أليس هذه صنائع الأيديولوجيا وأهدافها، إن عبدالعالي في تحليله لظاهرة الحقيقة عند الغزالي، هو تحليل لظاهرة الحقائق (أو الايديولوجيات) التي تتصارع في العالم الآن، والتي قوامها العنف والإرهاب، وما هذه الأيديولوجيا إلا تهجين (فكروي)، فإن ميدانها - الذي هو ميدان الفكر نفسه - لا يقاس بالأهداف التي يسعى نحوها وإنما بالدروب التي يعبرها (ص:68). ثمة ما ينخلق أثناء العمل على وضع (حقيقة ما) موضع أخرى، فإن هذا التحول هو ما يصوغ سياسة الحقيقة.
أما في مقالة أخرى: «الثقافة العربية في مرآة الآخر» (ص: 27) تشتغل على محاور أبو سعيد السيرافي ومتى بن يونس التي حفظها أبو حيان التوحيدي في كتابه: الإمتاع والمؤانسة، حول قضية الترجمة التي كانت نشطة إبان العصر العباسي. فإن السيرافي ينفي الحاجة إلى علوم الآخرين، وكان الخطاب موجها إلى الثقافة اليونانية المترحم منها آنذاك، فإن ابن يونس يرى ضرورة إعطاء اعتبار للآخرين فيما ينفي ذلك السيرافي، وكما يسوق بنعبد العالي مقولة شليجل عن تحليله لثقافة العرب (خطابياً وسلوكياً): «يتسم العرب بطبع مجادل إلى ابعد الحدود. فهم من بين الأمم جميعها. أكثر الأمم قدرة على النفي والإتلاف. ما يميز فلسفتهم في روحها هو ولعلهم المرضي بإتلاف الأصول والقضاء عليها بمجرد أن تتم الترجمة» (ص:29)، هذه إسوة الشعوب التي تغار من سواها كالفرس واليونان في السابق٭٭، ويعلق بنعبد العالي بأن الثقافة العربية الكلاسيكية كانت تتعالم من موقع قوة مع غيرها من الثقافات كانت عندما تنقل الأصل إلى لغتها وتتمثله في ثقافتها كانت تؤقلمه وتضمنه إليها. كانت ترضخه وتقضي على عنصر الغرابة فيه فتبتلعه وتدخله دائرة الأنا شعوراً منها أنه لم يعد آخر. لذا فسرعان ما تنفيه فتعمل على إتلافه والاستغناء عنه كأصل بعد أن (ترقى)به إلى لغتها (ص:29)، وبما أن علائق القوة والسلطة باتت على غيرما هي عليه في محاورة السيرافي وابن يونس، فإن الثقافة العربية تبقى تلميذة، غير نجيبة حتى الآن، في علاقتها وأستاذية ثقافة الغرب، وعلى أي حال إن الحال الماضي هو ما أورثنا عقدة الحاجة والمكابرة نحو ثقافة الآخر، وهذا ما أنتج من بعد وهم ليبرالي، بالاثنيات والهوية أوائل القرن الماضي عبر مفاهيم الالتزام والوعي الزائف حال أصوليات متناثرة تتسلح بنتائج الحداثة من آلة صناعية وتقنية جهازية، تكشف أن هناك أزمة علاقة والآخر، فالمرآة تكسرت لأن توازن القوى مختل، وليس هذا سببا، وإنما أساس البعد الحضاري، وهو التداول، مفقود عند الثقافة العربية (والإسلامية بالأخص)، وهذا يعني أننا لا يمكننا أن نؤسس لثقافة عربية مغايرة إلا بتوليد الآخر كآخر، ولكن أيضاً بالتحرر من الرغبة في التحول إلى أصل والتخلي عن افتراض أي مفهوم مطلق عن الخصوصية في الميدان الثقافي لانتعاش الفكر وشق دروب أخرى تفتح الآفاق كلها نحو المغايرة والاختلاف.
هل تريد التعليق على التدوينة ؟